Saturday 3 October 2009

حكم تسليم المسلم للكفار

بسم الله الرحمن الرحيم

حكم تسليم المسلم للكفار

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران: 102]، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء: 1]، وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً*يصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب: 70،71]

أما بعد فإن من النوازل والمستجدات التي تواجهها الدول الإسلامية اليوم في ظل المتطلبات الدولية من خلال الالتزامات والمعاهدات وغيرها من المعاملات- اتفاقيات تسليم المطلوبين إذ يطلب من الدولة المسلمة أو يشترط عليها القيام بتسليم بعض رعاياها إلا أن مسألة تسليم المطلوبين والمجرمين من المسلمين إلى غير المسلمين لا يقره الشرع فقد دلت الأدلة من الكتاب والسنة وعمل الصحابة والمعقول على حرمة ذلك:

أولاً: الأدلة من القرآن

1- قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾ [النساء: 141]، موضع الدليل في قوله: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً، قال الإمام علاء الدين علي بن محمد بن إبراهيم البغدادي الشهير بالخازن في تفسيرها: «وقيل معناه: إن الله لا يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً بالشرع، فإن شريعة الإسلام ظاهرة إلى يوم القيامة، ويتفرع على ذلك مسائل من أحكام الفقه: منها أن الكافر لا يرث المسلم، ومنها أن الكافر إذا استولى على مال المسلم لم يملكه بدليل هذه الآية، ومنها أن الكافر ليس له أن يشتري عبداً مسلماً، ومنها أن المسلم لا يقتل بالذمي بدليل هذه الآية» (1)، ويلحق بها: عدم جواز تسليم المسلم للكفار أو شرط بقائه لديهم(2)؛ لأن في تسليمه لهم جعل السبيل للكافرين عليه.

2- قوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب [المائدة: 2]، فالآية تنهى عن التعاون على الإثم وهو ترك ما أمرنا الله بفعله والعدوان وهو تجاوز ما حد الله لنا في ديننا وفرض علينا في أنفسنا وفي غيرنا(3)، وفي تسليم المسلم المطلوب إلى الدولة الحربية تعاون على الإثم ومشاركة في الظلم والعدوان، بل أي ظلم أعظم من خذلان المسلم وتسليمه لمن يؤذيه ويعذبه ويفتنه ويحكم عليه بغير حكم الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم(4).

3- قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون: 8] والعزة الغلبة والقهر والقوة أي: ولله الغلبة والقوة ولمن أعزه من رسله والمؤمنين لا لغيرهم، فالغلبة والمنعة والقوة والقهر والعزة لله؛ لعزه في ذاته، والعزة لرسوله وللمؤمنين بما أعطاهم الله تعالى من الغلبة والمنعة والقوة، وعزة المؤمنين أيضاً نصر الله إياهم على أعدائهم، فالإسلام سبب في العز والكرامة، ومحاكمة الكافر للمسلم ومعاقبته له ذل وهوان علاوة على أنها تكون بغير حكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم(5).

4- قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً[النساء:97] نزلت هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة وليس متمكنا من إقامة الدين فهو ظالم لنفسه مرتكب حراماً بالإجماع وبنص هذه الآية(6)؛ لأنه يتعرض بالمقام للأذى ويمتنع بالتأخر عن النصرة، ولأن القيام بأمر الدين واجب والهجرة من ضرورة الواجب وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وكانت الحكمة أيضا في وجوب الهجرة على من أسلم ليسلم من أذى ذويه من الكفار فإنهم كانوا يعذبون من أسلم منهم إلى أن يرجع عن دينه وفيهم نزلت الآية(7)، وحكم الهجرة باق لا ينقطع إلى يوم القيامة في قول عامة أهل العلم(8)، وكذا تجب إن خاف الإكراه على الكفر(9)، فإذا كانت الهجرة إنما وجبت لإقامة الدين والفرار من أذى الكفار وفتنتهم، فكيف يسوغ للحاكم المسلم ويجوز له أن يسلم المسلم إلى من يؤذيه ويفتنه في دينه ويمنعه من إقامة شعائره من الكفار ليحكموا عليه(10) ومعلوم أنهم لا يحكمون بالشريعة الإسلامية، وما يحصل للمعتقلين المسلمين اليوم في سجون اليهود والنصارى ومعتقلاتهم لهو خير شاهد على ذلك.

5- قوله تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50]، وحكم الجاهلية هو الميل والمداهنة في الحكم(11)، وتسليم المسلم المطلوب للكفار إخراج له عن حكم الله تعالى إلى حكم جاهلية القرن العشرين القائم على الميل والمداهنة للأقوياء والاكتفاء بمحاسبة الضعفاء.

ثانياً: الأدلة من السنة

1- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة"(12)

قوله: "المسلم أخو المسلم" هذه إخوة الإسلام فإن كل اتفاق بين شيئين يطلق بينهما اسم الأخوة، ويشترك في ذلك الحر والعبد والبالغ والمميز.

وقوله: "لا يظلمه" هو خبر بمعنى الأمر فإن ظلم المسلم للمسلم حرام، قال ابن بطال: «نصر المظلوم فرض كفاية وتتعين فرضيته على السلطان»(13) وأي ظلم له أعظم من تسليمه لمن يحكم عليه بغير دين الله وشرعه وينتهك حرمته ويذله.

وقوله: "ولا يُسلمه" يقال أسلم فلان فلانا إذا ألقاه إلى الهلكة ولم يحمه من عدوه وهو عام في كل من أسلم لغيره لكن غلب في الإلقاء إلى الهلكة، ومعناه: لا يتركه مع من يؤذيه ولا فيما يؤذيه بل ينصره ويدفع عنه وهذا أخص من ترك الظلم وقد يكون ذلك واجباً وقد يكون مندوباً بحسب اختلاف الأحوال(14)، وفي تسليم المسلم للكفار ظلم وإسلام له(15)، وترك له مع من يؤذيه وفيما يؤذيه.

2- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخونه ولا يسلمه في مصيبة نزلت به..."(16) وطلب الكفار للمسلم مصيبة له في دينه ودنياه وتسليمه لهم أعظم خيانة له في دينه ودنياه.

3- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره التقوى ههنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه"(17)

قوله: "ولا يخذله" الخذل ترك الإعانة والنصر(18)، ومعناه إذا استعان به في دفع ظالم ونحوه لزمه إعانته إذا أمكنه ولم يكن له عذر شرعي(19)، وأي ظلم وخذلان للمسلم أعظم من تسليمه للكفار ليحكموا عليه، فتسليمه والتخلية بينه وبين طالبيه ظلم وخذل له وسبب في احتقاره(20).

4- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "خرج عبدان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني يوم الحديبية قبل الصلح فكتب إليه مواليهم فقالوا: يا محمد والله ما خرجوا إليك رغبة في دينك وإنما خرجوا هربا من الرق، فقال ناس:صدقوا يا رسول الله ردهم إليهم، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ما أراكم تنتهون يا معشر قريش حتى يبعث الله عز وجل عليكم من يضرب رقابكم على هذا، وأبى أن يردهم، وقال: هم عتقاء اللهعز وجل"(21)، وفي رواية: " فقالوا يا رسول الله خرج إليك ناس من أبنائنا وإخواننا وَأَرِقَّائِنَا وليس لهم فقه في الدين وإنما خرجوا فرارا من أموالنا وضياعنا فارددهم إلينا، قال: فإن لم يكن لهم فقه في الدين سنفقههم... الحديث" (22)

وإنما غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم عارضوا حكم الشرع فيهم بالظن والتخمين وشهدوا لأوليائهم المشركين بما ادعوه أنهم خرجوا هرباً من الرق لا رغبة في الإسلام وكان حكم الشرع فيهم أنهم صاروا بخروجهم من ديار الحرب مستعصمين بعروة الإسلام أحراراً لا يجوز ردهم إليهم فكان معاونتهم لأوليائهم تعاونا على العدوان(23)

فدل الحديث على أن الشخص بمجرد دخوله في الإسلام ولجوئه للمسلمين ودولتهم يصبح من مواطني الدولة الإسلامية الذين لهم حق الرعاية والحماية، وأن حكم الرد لا يقتصر على الرقيق كما في الرواية الثانية، فإذا ثبت حرمة الرد ومنعه فمن باب أولى حرمة التسليم(24).

5- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة رهط سرية عينا وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري جد عاصم بن عمر فانطلقوا حتى إذا كانوا بالْهَدَأَةِ -وهو بين عسفان ومكة- ذُكرُوا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فنفروا لهم قريبا من مائتي رجل كلهم رام، فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم تمرا تزودوه من المدينة فقالوا: هذا تمر يثرب فاقتصوا آثارهم فلما رآهم عاصم وأصحابه لجؤوا إلى فَدْفَدٍ-مرتفع من الأرض- وأحاط بهم القوم فقالوا لهم: انزلوا وأعطونا بأيديكم ولكم العهد والميثاق ولا نقتل منكم أحدا، قال عاصم بن ثابت أمير السرية: أما أنا فوالله لا أنزل اليوم في ذمة كافر اللهم أخبر عنا نبيك، فرموهم بالنبل فقتلوا عاصما في سبعة، فنزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد والميثاق منهم: خبيب الأنصاري، وابن دثنة، ورجل آخر، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فأوثقوهم، فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر والله لا أصحبكم إن في هؤلاء لأسوة يريد القتلى، فجرروه وعالجوه على أن يصحبهم فأبى فقتلوه، فانطلقوا بخبيب وابن دثنة حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر ... فاستجاب الله لعاصم بن ثابت يوم أصيب فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه خبرهم وما أصيبوا، وبعث ناس من كفار قريش إلى عاصم حين حدثوا أنه قُتِل ليؤتوا بشيء منه يعرف وكان قد قَتل رجلاً من عظمائهم يوم بدر فَبُعِثَ على عاصم مثل الظلة من الدَّبْرِ فَحَمَتْهُ من رسولهم فلم يقدروا على أن يقطعوا من لحمه شيئا"(25)

وجه الدلالة: أن عاصماً رضي الله عنه أمير سرية الرجيع ومن معه رفضوا تسليم أنفسهم للكفار مع ضعفهم، وعلم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليهم(26) وأقرهم، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، فلو كان في التسليم خير لفعلوه، ولأنكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم عدم تسليمهم أنفسهم، بل الذين سلموا أنفسهم غُدِر بهم، والكفار هم الكفار في كل زمان ومكان، بل هم في هذا الزمان بما ابتكروه من وسائل للتعذيب والإهانة والإذلال أخبث وأشد.

قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله تعالى-: «وفي الحديث أن للأسير أن يمتنع من قبول الأمان ولا يمكن من نفسه ولو قتل أنفة من أنه يجري عليه حكم كافر وهذا إذا أراد الأخذ بالشدة فإن أراد الأخذ بالرخصة فله أن يستأمن» (27)

6- عن عائذ بن عمرو المزني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الإسلام يعلو ولا يعلى"(28)

الحديث فيه دليل على علو أهل الإسلام على أهل الأديان في كل أمر لإطلاقه، فالحق لأهل الإيمان إذا عارضهم غيرهم من أهل الملل(29)، وفي تسليم المسلم إلى الكفار إذلال له لا محالة وعلو لأهل الكفر على المسلم(30).

7- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الإيمان قيد الفتك لايفتك مؤمن " (31).

الفتك هو الغدر يقال فتك به اغتاله(32)، وهو أن يأتي صاحبه وهو غافل فيشد عليه فيقتله، وقوله: "الإيمان قيد الفتك" أي: الإيمان يمنع عن الفتك كما يمنع القيد عن التصرف فكأنه جعل الفتك مقيداً، ومعنى الحديث: أن الإيمان يمنع من الفتك الذي هو القتل بعد الأمان غدراً كما يمنع القيد من التصرف، وسبب النهي عن الفتك؛ لأنه متضمن للمكر والخديعة، وأما ما روي من الفتك بكعب بن الأشرف وابن أبي حقيق وغيرهما فكان قبل النهي، أو هي وقائع مخصوصة بأمر سماوي لما في المفتوكين من الغدر وسب الإسلام وأهله(33).

موضع الاستدلال بالحديث بأن في تسليم المسلم للكفار فتك به(34).

8- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين"(35)

وجه الدلالة أن النبي نهى عن الإقامة بين أظهر الكفار، فكيف نسلم مسلماً إليهم مع ما في تسليمه من إقامة جبرية له، ففي تسليمه مخالفة لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثالثاً: الدليل من عمل الصحابة.

قبل بدأ معركة القادسية بين المسلمين والفرس لما جن الليل هرب من عسكر رستم جماعة والتجئوا إلى عسكر المسلمين فلما أصبح رستم بلغه أن جماعة من عسكره هربوا إلى عسكر المسلمين فبعث رسولاً إلى سعد يطلب منه أن يرد عليه الذي هرب، فقال سعد رضي الله عنه: إنا قوم لا نضيع ذمامنا ولا ننقض عهدنا، وقد أتوا إلينا مستسلمين وفي صحبتنا راغبين فيجب علينا أن نذب عنهم ولا نمكن أحداً منهم، فعاد الرسول إلى رستم وأعاد عليه الجواب فغضب وأمر الجيوش بالزحف(36)، فالفرس كانوا في حالة حرب مع المسلمين ومع هذا طلبوا تسليم من فر منهم إلى المسلمين مسلماً فأبى المسلمون وامتنعوا وكان ردهم واضحاً صريحاً، ولا يستبعد أن عمر وبقية الصحابة –رضي الله عنهم جميعاً- قد علموا بالقصة وبالتالي يكون في حكم الإجماع أو اتفاق الأمة(37).

رابعاً: الأدلة من المعقول

1- من شرط تولي القضاء الإسلام(38) فلا يجوز تولية غير المسلم القضاء على المسلمين، ومنع الفقهاء اشتراط حكمهم على مسلم، وفي تسليم المسلم المطلوب إلى الكفار تسليط للقضاة غير المسلمين وتمكين لهم من الحكم عليه بغير ما أنزل الله تعالى(39).

اعتراض: هم الذين يحكمون فيه بغير ما أنزل الله لا نحن.

الرد: لو لم نقم بتسليمه لهم لما تمكنوا أن يحكموا عليه بغير ما أنزل الله، فتسليمنا إياه لا يعفينا من الإثم والمسؤولية، وبتسليمنا له نكون قد رضينا ضمناً بأن يحكموا عليه بغير ما أنزل الله(40)؛ لأنا نعلم قبل تسليمه أنهم يحتكمون إلى غير كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ونحن مأمورون بالاحتكام إليهما لا إلى غيرهما.

2- منع الفقهاء شرط بقاء الأسير المسلم في أيدي الكفار أو أن يمكنوا من أسير مسلم كان عندهم ثم انفلت منهم ولا يقضى لهم عليه بشيء، والتسليم كالأسر وزيادة؛ لأن الأسر كان من قِبَلِ الكفار أما التسليم فهو من قبل المسلمين(41).

3- قال ابن عبد البر: «إذا كان دم الحربي الكافر يحرم بالأمان فما ظنك بالمؤمن الذي يصبح ويمسي في ذمة الله! كيف ترى في الغدر به والقتل؟ وقد قال صلى الله عليه وسلم: " الإيمان قيد الفتك لا يفتك مؤمن"»(42)

4- إذا كان الفقهاء قد منعوا رد من أسلم وأتى إلينا وطلبه الكفار، والذين قالوا بالجواز اشترطوا في الرد أن يكون للعشيرة وقيدوها إن كانت تمنعه أو للضرورة وفي حالة ضعف المسلمين، فمنع التسليم من باب أولى(43).

5- في تسليم المطلوب المسلم إلى الكفار تعطيل للحدود وحصول الفساد، وكل ما يفضي إلى ذلك فهو ممنوع.

اعتراض: قد يقول قائل بل تعطيل الحدود قد يكون في عدم تسليم المطلوبين؛ لأن بعض المجرمين ربما فروا من الدولة الإسلامية إلى الدولة الكافرة للفرار من العدالة فلا نستطيع إقامة الحد عليهم؛ لأن تلك الدولة ستعاملنا بالمثل فترفض رده إلينا.

الرد عن هذا هو أن المجرم بهربه إلى الدولة الكافرة يكون قد هرب من حكم الله تعالى وحكم رسوله وإن كان قد أفلت من العقاب في الدنيا فلن يفلت من العقاب الأخروي يوم القيامة(44)، وهذه خصيصة من خصائص الشريعة الإسلامية تمتاز بها عن القوانين الوضعية هي أن الجزاء دنيوي وأخروي

ثانياً: إقامة الحدود الإسلامية من خصائص القاضي المسلم.

خامساً: قانوناً

لتسليم المطلوب في القانون شروط وموانع، ومن المهم التعرف عليها؛ لأن التعرف عليها قد يعطي للدولة الإسلامية في حالة ضعفها السبب المناسب لرفض طلب التسليم المقدم من الدولة الكافرة من جهة قانونية، أما الموانع فهي:

1- كون الشخص المطلوب يحمل جنسية الدولة المطلوب منها تسليمه؛ لأن في تسليمه انتهاك لسيادة الدولة المسلمة، والغالب في المطلوب المسلم حمل جنسية الدولة الإسلامية.

2- عدم إقرار الدولة المطلوب منها التسليم للعقوبة المحكوم بها على الشخص المطلوب منها.

3- عدم كفاية الأدلة على الاتهام أو التجريم.

4- رفع صفة الجريمة عن الفعل المسند للشخص المطلوب ارتكابه له.

5- منح المطلوب صفة لاجئ سياسي.

6- كون المطلوب يحاكم في الدولة المطلوب منها التسليم على جرائم ارتكبها على أراضيها.

7- كون الحكم الصادر على المطلوب قد صدر من محكمة استثنائية.

8- عدم الوصول إلى الشخص المطلوب تسليمه؛ لهربه من الدواة التي طلب منها تسليمه أو وفاته، أو صدور قرار بالعفو عنه من قبل الدولة الطالبة للتسليم(45)

أما الشروط فهي كثيرة وهي متداخلة مع الموانع ومنها:

1- ازدواج التجريم، والمراد به: كون الفعل المطلوب من أجله التسليم جريمة في تشريع الدولتين: الطالبة للتسليم، والمطلوب منها التسليم، ولا يشترط أن تكون العقوبة على الفعل واحدة في البلدين، وهذا من أهم شروط التسليم.

2- ألا يكون طلب التسليم قد سبق رفضه من الدولة المطلوب منها التسليم، ولا شك أن الدولة الإسلامية سترفض التسليم؛ لحرمة ذلك شرعاً.

3- عدم حمل الشخص المطلوب تسليمه لجنسية الدولة المطلوب منها التسليم، والمبدأ الغالب في القانون الدولي حالياً هو عدم تسليم المواطنين، ويؤيد هذا المبدأ حجج في القانون هي:

أ- ينبغي ألا يسحب المتهم من قضاته الحاليين.

ب- الدولة مدينه لرعاياها بالحماية التي توفرها قوانينها.

ج- من المستحيل وضع الثقة في عدالة دولة أجنبية، لا سيما إن كانت القضية متعلقة بمواطن دولة أخرى.

د- المطلوب يلحقه ضرر كبير عند محاكمته بلغة أجنبية وحينما يكون بمعزل عن مجتمعه.

هـ- المحكمة في دولة المدعى عليه أقدر على إلزامه بالحكم الصادر عليه؛ نظراً لتركيز مصالحة وأوجه نشاطه فيها.

4- ينبغي صدور قرار التسليم من الجهة المختصة في الدولة المطلوب منها التسليم.

5- ألا يكون الشخص المطلوب تسليمه قد حصل على حق اللجوء السياسي من الدولة المطلوب منها التسليم.

6- أن تكون هناك أدلة كافية لمحاكمة المطلوب واتهامه وتبرير الحكم الصادر عليه، ويرفق مع قرار التسليم الأوراق القضائية المشتملة على الأدلة الكافية للاتهام، وهذا الشرط من الضمانات المكفولة للمطلوب.

7- أن تكون محاكمته أمام محكمة عادية؛ لعدم توفر ضمانات العدالة في المحاكم الاستثنائية.

8- ألا تكون الدعوى أو الحكم القاضي بالعقوبة قد سقطا بالتقادم أو العفو العام أو بغيرهما من أسباب السقوط في أي من قانون الدولتين.

9- أن تكون الجريمة على درجة من الجسامة؛ لأن إجراءات التسليم كثيرة ومعقدة وباهظة التكاليف وطويلة الأمد، فلا يلجأ للطلب إلا عند جسامة الجريمة مع اختلاف في أيها المعتبر قانون دولة الملجأ أو الدولة الطالبة أو كلاهما كما نصت عليه اتفاقية الجامعة العربية (46).

فيتبين مما سبق أن تسليم المسلم المطلوب للكفار محرم شرعاً مهما كان المبرر، فتسليم المطلوبين اليوم تحت كذبة وشعار الإرهاب لا يوافق شرع الله بل يعارضه، ولا يقدم عليه إلا الجهال أوالعملاء.

س/ لو كانت الدولة طالبة التسليم دولة معاهدة فما هو حكم التسليم ؟

ج/ يحرم تسليم المسلم للدولة الكافرة ولو كانت معاهدة؛ لعموم الأدلة التي تدل على منع تسليم المسلم والتي سبق ذكرها هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن سبب منع التسليم إلى الدولة المحاربة هو ذاته سبب منع التسليم إلى الدولة المعاهدة وهو كفرها وحكمها بغير ما أنزل الله تعالى، وما يترتب على تسليم المسلم من إذلال وخذلان وتسليم له(47).

اعتراضات وردود:

الاعتراض الأول: هناك فرق بين الدولة الكافرة المحاربة والدولة الكافرة المعاهِدة، وهو المعاهَدة الموجودة معها دون الأخرى.

الرد عليه: هذا الفرق مؤثر من جهة عدم جواز اعتداء المسلمين على مواطني الدولة المعاهدة فلهم الأمان بموجب المعاهدة، وأما مسألتنا- تسليم المسلم المطلوب- فليس هناك فرق بين الدولتين؛ لأن الدولة المعاهدة جزء من دار الكفر، ووصف العهد مؤقت قد يزول بانتهاء العهد أو غيره من الأمور التي تنتهي بموجبها المعاهدة وبالتالي تعود إلى دولة محاربة، أيضاً سبق بيان أن سبب منع التسليم إلى الدولة المحاربة هو ذاته سبب منع التسليم إلى الدولة المعاهدة وهو كفرها وحكمها بغير ما أنزل الله تعالى، وما يترتب على تسليم المسلم من إذلال وخذلان وتسليم له(48).

الاعتراض الثاني: إن نمو الجريمة في العالم اليوم وتطور الاتصالات وتبسيط الإجراءات الحدودية واتساع السياحة والتعامل بين الدول كل هذا وغيره قد سهل على المجرمين الانتقال من دولة إلى أخرى وبالتالي ينبغي وجود اتفاق لتسليم المطلوبين بيننا وبين الدولة المعاهدة لتحقيق مصالح مشتركة بين البلدين.

الرد: الشريعة الإسلامية كفيلة بردع الجناة إذ أن الحدود الشريعة زواجر وجوابر ومشكلتنا في هذا العصر هو عدم تطبيق هذه الحدود ومحاولة إقصاء الشريعة الغراء عن منصة الحكم هذا أولاً.

أما ثانياً: فإن الجزاء في الشريعة الإسلامية يمتاز بخصيصة هامة تتجرد وتتعرى عنها القوانين والأنظمة الوضعية البشرية وهذه الخصيصة هي أن الجزاء في الشريعة الإسلامية دنيوي وأخروي أي: أن المجرم إذا أمكنه أن يهرب من حكم الله وعقابه في الدنيا فلن يفر من ذلك في الآخرة، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أم سلمة رضي الله عنها: "إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فمن قضيت له بحق أخيه شيئا بقوله فإنما أقطع له قطعة من النار فلا يأخذها" (49)

أما ثالثاً: فلا يمكن مساواة الأحكام الشريعة بالقوانين والأنظمة الوضعية؛ لقوله تعالى: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة: 50]، وقوله تعالى: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ [يوسف: 40]، وقوله تعالى: ﴿ ومَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة: 44] وفي تسليم المسلم المطلوب للكفار ولو لدولة كافرة معاهدة تسوية بين حكم الله تعالى وحكم غيره، ورضا بغير حكمه تعالى، وتشريك غيره معه فيما خص به نفسه(50).

الاعتراض الثالث: وجود المصلحة في تسليم المطلوبين للدول المعاهدة.

الرد: أولاً: لا يسلم بوجود المصلحة للدولة في تسليم المسلم المطلوب بل ولا حتى الذمي(51) بل المصلحة معاقبتهم على أفعالهم إن كانت تستحق العقاب في الدولة الإسلامية، وفي هذا حفظ لهم ولها ولنظامها وشريعتها.

ثانياً: المصلحة التي لم تشهد النصوص الشرعية لنوعها ولا لجنسها بالاعتبار مصلحة مردودة باتفاق، وهي مرادفة للاستحسان الذي أنكره الشافعي وشدد النكير على القائلين به، وهي المصلحة الغريبة التي حكى الغزالي والشاطبي الإجماع على عدم الأخذ بها، قال الإمام الغزالي: (لأنا رددنا المصلحة إلى حفظ مقاصد الشرع ومقاصد الشرع تعرف بالكتاب والسنة والإجماع فكل مصلحة لا ترجع إلى حفظ مقصود فُهِم من الكتاب والسنة والإجماع وكانت من المصالح الغريبة التي لا تلائم تصرفات الشرع فهي باطلة مطرحة ومن صار إليها فقد شرع كما أن من استحسن فقد شرع وكل مصلحة رجعت إلى حفظ مقصود شرعي علم كونه مقصوداً بالكتاب والسنة والإجماع فليس خارجا من هذه الأصول)(52)

ثالثاً: يشترط في المصلحة التي يبنى عليها التشريع أن يثبت بالاستقراء أنها مصلحة حقيقة لا موهومة، وأن تكون عامة لا شخصية بأن تجلب النفع لأكثر الناس أو تدفع الضر عن أكثر الناس، وأن لا تكون معارضة للتشريع.

رابعاً: على فرض التسليم بوجود بعض المصلحة أو المصالح من التسليم، فإنها مصلحة عارضت الأدلة من الكتاب والسنة وتؤدي إلى تفويت مصلحة أعظم منها.

خامساً: لا يجوز لشخص أن يحكم على فعل بأنه مصلحة بناءً على ما له من الظواهر والآثار الدنيوية حتى يكون على بينة من آثاره الأخروية أيضاً وذلك بالنظر في نصوص الشريعة وحدودها.

سادساً: لا يصح أن تستقل وتنفرد الخبرات والموازين العقلية وحدها في فهم مصالح الأمة والاعتماد عليها لإصدار الأحكام بعيداً عن النصوص الشرعية؛ لأن المصلحة فرع عن الدين ومحكومة به ضبطاً بل ومتوقفة عليه وجودا.

سابعاً: المصلحة الحقيقة هي الموافقة لحكم الشارع، ومما لا شك فيه أن أحكام الشريعة الإسلامية التي تطبقها الدولة الإسلامية على كل رعاياها تتضمن المصلحة في الدنيا والآخرة(53)، قال الإمام الشاطبي -رحمه الله تعالى-: «ولنقدم قبل الشروع في المطلوب مقدمة كلامية مسلمة في هذا الموضع وهي أن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معاً... والمعتمد إنما هو أنا استقرينا من الشريعة أنها وضعت لمصالح العباد استقراءً لا ينازع فيه»(54)، وبالتالي فتسليم المسلم المطلوب للدولة الكافرة خروج عن المصلحة الحقيقة إلى المصلحة الوهمية.

الاعتراض الرابع: في صلح الحديبية عندما جاء أبو بصير وأبو جندل ردهما النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يستأنس بهذا لجواز التسليم لدولة معاهدة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ردهما بموجب معاهدة واتفاقية الصلح.

الرد: أولاً: بالنسبة لمسألة الرد – رد المسلم إلى الدولة الكافرة- قد سبق للفقهاء الحديث عنها وبيان ذلك فيما يلي:

أ- اتفق الفقهاء على عدم جواز رد المسلمة لدولة كافرة(55) وألحقوا بها من في حكمها كالصبي والمعتوه(56)؛ لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [الممتحنة: 10]، وسبب نزول هذه الآية ما جاء في الحديث: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كاتب سهيل بن عمرو يومئذ كان فيما اشترط سهيل بن عمرو على النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا وخليت بيننا وبينه، فكره المؤمنون ذلك وامتعضوا منه وأبى سهيل إلا ذلك فكاتبه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فرد يومئذ أبا جندل إلى أبيه سهيل بن عمرو ولم يأته أحدٌ من الرجال إلا رده في تلك المدة وإن كان مسلماً وجاء المؤمنات مهاجرات وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ وهي عاتق(57) فجاء أهلها يسألون النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجعها إليهم فلم يرجعها إليهم لِمَا أنزل الله فيهن: ﴿ إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ إلى قوله: ﴿وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ،قال عروة: فأخبرتني عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحنهن بهذه الآية: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ إلى ﴿غَفُورٌ رَحِيمٌ، قال عروة: قالت عائشة: فمن أقر بهذا الشرط منهن قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد بايعتك) كلاما يكلمها به والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة وما بايعهن إلا بقوله" (58)

وإنما اختلف الفقهاء في دخول ردهن في عقد الصلح، فذهب قوم إلى دخولهن في عقد الصلح ثم أخرجتهن آية الممتحنة، واختلف هؤلاء أيضاً هل الآية ناسخة أم مخصصة، فقال قوم بالنسخ(59) وآخرون بالتخصيص؛ لأنها أحدثت حكماً جديداً في حقهن وهو عدم الحلية بينهن وبين أزواجهن فلا محل لإرجاعهن ولا يمكن تنفيذ معاهدة الهدنة مع هذا الحكم فخرجن منها وبقي الرجال، ولأنها جعلت للأزواج حق المعاوضة على ما أنفقوا عليهن، ولو لم يكن داخلات أولاً لما كان طلب المعاوضة ملزماً ولكنه صار ملزماً، وموجب إلزامه أنهم كانوا يملكون منعهن من الخروج بمقتضى المعاهدة المذكورة فإذا خرجن بغير إذن الأزواج كن كمن نقض العهد فلزمهن العوض المذكور(60)

وذهب آخرون إلى أن رد النساء لم يكن داخلاً في الصلح؛ لقوله في الحديث: "وعلى أنه لا يأتيك منا رجل" (61)، وقوله صلى الله عليه وسلم: " كان الشرط في الرجال ولم يكن في النساء" (62)

الفرق بين رد النساء والرجال:

1- المرأة لا تأمن من أن تزوج كافراً يستحلها أو يكرهها من ينالها وإليه أشار الله تعالى بقوله: ﴿ لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة: 10] فهن ذوات فروج تحرم على الكفار.

2- المرأة ربما فتنت عن دينها؛ لأنها أضعف قلبا وأقل معرفة من الرجل.

3- أن المرأة لا يمكنها في العادة الهرب والتخلص بخلاف الرجل(63)

4- يستباح في دار الكفر من المرأة المسلمة ما لا يستباح من الرجل(64)

والواقع يشهد لهذا فالفتاه اليزيدية التي أسلمت فقتلها قومها وعلى رأسهم أخوها قتلوها بصورة بشعة وفاضحة، وأخرى تسلم فيقتلها أحد القساوسة، والعجيب أن دولة عربية مسلمة عملت على رد مسلمات إلى أهليهن غير المسلمين، فأين تطبيق أحكام الشريعة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!

ب- مسألة رد الرجل المسلم إلى دولته الكافرة المعاهدة ليست من المسائل الإجماعية؛ لأنها محل خلاف إذ أجاز قوم رد المسلم إلى الدولة الكافرة وتضمينه المعاهدة مع الكفار بشرط شدة الحاجة لذلك، وتعين المصلحة في ذلك وللمسلمين أن يأمروه سراً بقتالهم والفرار منهم مع استثنائهم للعبد مستدلين بأن النبي صلى الله عليه وسلم شرط ذلك في صلح الحديبية ووفى لهم به.

وأجاز قوم رد المسلم إلى الدولة الكافرة وتضمينه المعاهدة مع الكفار بشرط أن تطلبه عشيرته لا غيرها؛ لأنها تذب عنه وتحميه مع قوته في نفسه، فإن كان لا عشيرة له أو له عشيرة لا تحميه فلا يرد؛ لئلا يفتنوه، ويرد المطلوب إلى غير عشيرته إن كان يقدر على قهر الطالب والهرب منه، وشرط بعضهم في الرد الأمن على دمه، ومنهم من اعتبر حالهم عند من يردون إليهم فإن كانوا مستذلين أو طلبوهم لتعذيبهم وفتنتهم لم يجز ردهم، وقالوا: ولا يجبر المطلوب على الذهاب لطالبه؛ لأنه إذا لم يجبر المسلم على الانتقال من بلد إلى بلد في بلاد الإسلام فبلاد الكفر أولى فلو شرط على الإمام بعثه فسد العقد ولا يلزمه بل على المطلوب الهرب من البلد إذا علم بمجيء من يطلبه خصوصا إن خشي فتنة(65)

وأجاز قوم رد المسلم إلى الدولة الكافرة وتضمينه المعاهدة مع الكفار، ولا يجوز شرط فاسد كإبقاء مسلم عندهم إلا لخوف أعظم من ذلك.

ودليلهم على الجواز فعل النبي في الصلح والوفاء به(66).

بينما يرى الحنفية وابن حزم وغيرهم عدم جواز شرط رد الرجل المسلم، وهو شرط باطل لا يجب الوفاء به، أما رد النبي لأبي بصير وأبي جندل فلا حجة فيه؛ للآتي:

1- أن حكم الرد منسوخ وهو عند الأحناف منسوخ بقوله تعالى: ﴿فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ إذ لا فلاق بين الرجال والنساء في ذلك، بل مفسدة رد المسلم إليهم أكثر(67).

ونوقش هذا: بأن الآية تخصيص للعموم لا نسخ للعهد.

وعند ابن حزم حكم الرد منسوخ بقوله تعالى: ﴿بَرَاءَةٌ من اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ من الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا في الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ [ التوبة: 1و2]، وبقوله: ﴿كَيْف يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [التوبة: 7]، وبقوله تعالى: ﴿فإذا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لهم كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة: 5]، وقوله تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ من الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة: 29]، قال ابن حزم: «فَأَبْطَلَ اللَّهُ تَعَالَى كُلَّ عَهْدٍ ولم يُقِرَّهُ ولم يَجْعَلْ لِلْمُشْرِكِينَ إِلاَّ الْقَتْلَ أو الإِسْلاَمَ وَلأََهْلِ الْكِتَابِ خَاصَّةً إعْطَاءُ الْجِزْيَةِ وَهُمْ صَاغِرُونَ وَأَمَّنَ الْمُسْتَجِيرَ وَالرَّسُولَ حتى يُؤَدِّيَ رِسَالَتَهُ وَيَسْمَعَ الْمُسْتَجِيرُ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ يُرَدَّانِ إلَى بِلاَدِهِمَا وَلاَ مَزِيدَ فَكُلُّ عَهْدٍ غَيْرِ هذا فَهُوَ بَاطِلٌ مَفْسُوخٌ لاَ يَحِلُّ الْوَفَاءُ بِهِ؛ لأََنَّهُ خِلاَفُ شَرْطِ اللَّهِ عز وجل وَخِلاَفُ أَمْرِهِ»(68)

2- لأنه عليه الصلاة و السلام رَدَّهُ ولم يَكُنْ الْعَهْدُ تَمَّ بَيْنَهُمْ.

3- أَنَّهُ عليه الصلاة و السلام لم يَرُدَّهُ حتى أَجَارَهُ له مُكَرَّزُ بن حَفْصٍ من أَنْ يُؤْذَى.

4_ أَنَّهُ عليه الصلاة و السلام قد كان اللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمَهُ أَنَّهُ سَيَجْعَلُ اللَّهُ له فَرْجاً وَمَخْرَجاً وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ ذلك(69)

واستدل من قال بقولهم أيضاً بالآتي:

1- أن ما وقع في صلح الحديبية كان بوحي بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري" (70)، وقوله في أمر الناقة: "ما خلأت القصواء وما ذاك لها بِخُلُقٍ ولكن حبسها حابس الفيل"(71)، وقد سماه الله فتحاً، فلا يقاس عليه، ولم يرد في أي رواية للحديث أنه قال إن شاء الله مع أنه مأمور بذلك، وإن كان هذا الأخير قد نوقش بأن الاستثناء سقط من الراوي.

2- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين " (72)

وجه الدلالة: أن النبي نهى عن الإقامة بين أظهر الكفار، فكيف نرد المسلم إليهم مع ما في رده إقامة جبرية له، فكيف ننهاه ثم نرده! فهذا تناقض(73).

قد يقول قائل هذا محمول على من لم يأمن على دينه كما ذكره شراح الحديث(74)

الرد: أنه لو أمن على دينه لما فر إلينا.

3- قول النبي صلى الله عليه وسلم: " ما بال أناس يشترطون شروطا ليست في كتاب الله من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له وإن شرط مائة مرة شرط الله أحق وأوثق" (75)

ليس في كتاب الله أي: ليس مشروعًا في كتاب الله لا تأصيلاً ولا تفصيلاً(76)، أو ما خالف كتاب الله، وقال ابن بطال: «المراد بكتاب الله هنا حكمة من كتابه أو سنة رسوله أو إجماع الأمة)(77)، فالمراد في حكم الله الذي كتبه على عباده وشرعه لهم، قال ابن خزيمة: (أي: ليس في حكم الله جوازها أو وجوبها لا أن كل من شرط شرطا لم ينطق به الكتاب باطل؛ لأنه قد يشترط في البيع الكفيل فلا يبطل الشرط ويشترط في الثمن شروط من أوصافه أو نجومه ونحو ذلك فلا يبطل فالشروط المشروعة صحيحة وغيرها باطل»(78)

يمكن أن يناقش هذا الاستدلال: بأن رد المسلم بناء على المعاهدة والصلح أجازه من أجازه استدلالاً برد النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بصير وأبي جندل وبالتالي فذا العهد ليس من الشروط المناقضة لما في كتاب الله بل من الموافقة له.

إلا أن المانعين من الرد ردوا بأن ما كان في صلح الحديبية خاصاً برسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن العربي: « فأما عقده على أن يرد من أسلم إليهم فلا يجوز لأحد بعد النبي وإنما جوَّزه الله له لما علم في ذلك من الحكمة وقضى فيه من المصلحة وأظهر فيه بعد ذلك من حسن العاقبة وحميد الأثر في الإسلام ما حمل الكفار على الرضا بإسقاطه والشفاعة في حطّه» (79)

4- من المعقول: أنه حين شرع ذلك كان في قوم من أسلم منهم لا يبالغون في تعذيبه، فإن كل قبيلة لا تتعرض لمن فعل ذلك من قبيلة أخرى إنما يتولى ردعه عشيرته وهم لا يبالغون فيه أكثر من القيد والسب والإهانة، ولقد كان بمكة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من المستضعفين مثل أبي بصير وأبي جندل بن عمرو بن سهيل إلى نحو سبعين لم يبلغوا فيهم النكاية لعشائرهم والأمر الآن على خلافه(80)

5- الواجب على الإمام فك الأسير المسلم لا أن يكون عونا على أسر مسلم(81)، بل فك الأسير المسلم من أيدي العدو فرض كفاية ولو بجميع أموال المسلمين(82)

6- الفقهاء الذين أجازوا رد المسلم جعلوه في أضيق نطاق وقيدوه بقيود منها: شدة الحاجة، وتعيين المصلحة، وضعف المسلمين، ووجود العشيرة التي تحميه، بل رأي الجمهور على عدم جواز رد العبد, فعاد قولهم بالمنع, وأما في حالة الضرورة والحاجة فلها حكمها الخاص عند الجميع(83).

إن ما يصنعه اليوم العلوج الكفرة من امتهان وإذلال لمن يقع في أيديهم من المسلمين أسيراً، وما حصل ويحصل في سجون (جوانتا ناموا)، و فضائح سجن أبي غريب في العراق، وسجون أفغانستان ليس عنا ببعيد، وشهادة مصور قناة الجزيرة الذي اعتقل من قبل الأمريكان وما حصل له وللمعتقلين ولا زال يحصل من إهانة وإذلال وتعذيب نفسي وجسدي وانتهاك للكرامة الشخصية والدينية وسلب لكل الحقوق بطريقة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً إلا في سجون الطغاة، يجعل من قول الحنفية والظاهرية قولاً معتبراً بل تقتضيه الشريعة الإسلامية ومقاصدها العامة(84).

ثانياً: هناك فرق بين مسألة الرد ومسألة التسليم من عدة أوجه هي:

الوجه الأول: صورة الرد هي التخلية بين الطالب والمطلوب مع التعريض للمطلوب بسبل الخلاص، قال الإمام زكريا الأنصاري: « ومعنى الرد له التخلية بينه وبينهم كما في رد الوديعة لا إجباره على الرجوع إذ لا يجوز إجبار المسلم على الإقامة بدار الحرب فلو شرط في العقد أن يبعث به الإمام إليهم لم يصح إلا أن يراد بالبعث الرد بالمعنى السابق فظاهر أنه يصح»(85)،وقال الإمام الماوردي: « فصفة الرد أن يكون إذنا منه بالعود وتمكينا لهم من الرد ولا يتولاه الإمام جبراً إن تمانع المردود وكذلك أذن رسول الله لأبي جندل وأبي بصير في العود، فإن أقام المطلوب على تمانعه من العود قيل للطالب أنت ممكن من استرجاعه فإذا قدرت عليه لم تمنع منه وإن عجزت عنه لم تعن عليه»(86)

أما التسليم فصورته أخذ المطلوب للطالب مقيداً.

الوجه الثاني: الرد فيه مخارج ليست في التسليم ومنها:

أ- ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد"(87) فلما سمعوا بها جعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة قريب من سبعين رجلاً(88)، فأين هذا من التسليم الذي لا يكون معه أي سبيل للخلاص فهو كالأسر وزيادة.

ب- أن النبي لم يعطهم أن يرد عليهم من خرج منهم مسلماً إلى غير المدينة في بلاد الإسلام والشرك وإن كان قادراً عليه، ولم يذكر أحد منهم أنه أعطاهم في مسلم غير أهل مكة شيئا من هذا الشرط(89)

ج- أن للمسلم الذي يجيء من دار الحرب في زمن الهدنة قتل من جاء في طلب رده إذا شرط لهم ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على أبي بصير قتله العامري ولا أمر فيه بقود ولا دية(90)

الوجه الثالث: الذي يراعى عند الرد حال المطلوب، أما الذي يراعى في التسليم فحال الطالب له، قال الماوردي: « وروعي حكم الوقت فيما يقتضيه حال المطلوب فإن ظهرت المصلحة في حثه على العود لتألف قومه أشار به الإمام عليه بعد وعده بنصر الله وجزيل ثوابه ليزداد ثباتاً على دينه وقوة في استنصاره وإن ظهرت المصلحة في تثبيطه عن العود أشار به سرا وأمسك عن خطابه جهراً فإن ظهر من الطالب عنف بالمطلوب واعده الإمام فإن كان لفرط إسفاق(91) تركه وإن كان لشدة منعه»(92)

الوجه الرابع: عند النظر في أقوال الفقهاء الذين أجازوا رد المسلم يجد الناظر أنهم منعوا من رد الأسير أو شرط بقاء مسلم عند الكفار أو شرط الحكم على المسلم بحكمهم، والفرق بين هذه الأمور والرد ظاهر للمتأمل، أما تسليم المطلوبين اليوم فهو بقاء وزيادة أي: وحكم عليهم بغير حكم الله تعالى ورسوله، قال الإمام الشافعي: « فإذا صَالَحَ الْإِمَامُ على مِثْلِ ما صَالَحَ عليه رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ صَالَحَ على أَنْ لَا يَمْنَعَ الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ للرجال من أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ إذَا جاء أَحَدٌ من رِجَالِ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ إلَى مَنْزِلِ الْإِمَامِ نَفْسِهِ وَجَاءَ من يَطْلُبُهُ من أَوْلِيَائِهِ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ بِأَنْ لا يَمْنَعَهُ من الذَّهَابِ بِهِ وَأَشَارَ على من أَسْلَمَ أَنْ لا يَأْتِيَ مَنْزِلَهُ وَأَنْ يَذْهَبَ في الْأَرْضِ فإن أَرْضَ اللَّهِ عز وجل وَاسِعَةٌ فيها مُرَاغَمٌ كَثِيرَةٌ... وإذا صالح الإمام على أن يبعث إليهم بمن كان يقدر على بعثه منهم ممن لم يأته لم يجز الصلح؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبعث إليهم منهم بأحد ولم يأمر أبا بصير ولا أصحابه بإتيانهم وهو يقدر على ذلك وإنما معنى رددناه إليكم لم نمنعه كما نمنع غيره»(93)

الوجه الخامس: سبب طلب الرد هو الإسلام بخلاف سبب التسليم الذي يكون غالباً لارتكاب جريمة ما.

اعتراض: قد يقول قائل هذا دليل على أن التسليم من أجل ارتكاب الجريمة من باب أولى، إذ كيف يرد النبي صلى الله عليه وسلم الرجل لإسلامه ولا نرد الرجل لارتكابه جريمة قد تكون محرمة شرعاً.

الرد: من كان سبب رده الإسلام يكون له مخارج فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان أذن لهم بالتلفظ بالكفر مع اطمئنان القلب بالإيمان وهو الذي كان الكفار يطلبونه منهم فيتلفظون به حتى يأتيهم الله بالفتح أو أمر من عنده(94) قال تعالى: ﴿ مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النحل: 106] فخلاصة القول هنا أن مسألة الرد الذي وقع في صلح الحديبية واختلف الفقهاء فيه يختلف عن التسليم المعروف اليوم بالصورة المعاصرة فلا سبيل إلى حمل ما قاله الفقهاء في الرد على التسليم؛ للفروق المذكورة علاوة على ظهور الفرق بين الرد والتسليم في اللغة إذ أن التسليم في اللغة يدل على إعطاء الشيء ودفعه وجعله سالماً خالصاً أما الرد في اللغة فيدل على صرف الشيء وإرجاعه وعدم قبوله(95)

ومن المعاصرين من يرى رجحان قول الحنيفة؛ لما فيه من مراعاة عموم الأدلة التي أوجبت علو الإسلام وأهله وعزتهم، وأما فعله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية فقد اقترنت به أمور إن اقترنت بمثله فيمكننا عندئذ القول بجواز شرط رد المسلم، ومن هذه الأمور:

1- الغرض الذي خرج من أجله النبي صلى الله عليه وسلم أداء العمرة، فلم يكن مستعداً لقتال، وبالتالي كان المسلمون في ضعف وعجز وعدم استعداد؛ ولأن الخروج كان في شهرٍ حرامٍ، وكان خروجه صلى الله عليه وسلم لبيت الله الحرام وعارضته حرمة مكة وإنما دخلها في الفتح عنوة بعد أن أذن الله له في ذلك، وقيل إنما كان الصلح طمعاً في أن يسلموا أو يسلم بعضهم.

2- حرص النبي صلى الله عليه وسلم على بيان حقيقة قريش للعرب في صدها عن البيت الحرام، وهو ما اقتنع به عروة بن مسعود الثقفي والحليس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لو بدأ بالقتال لكانت فرصة لقريش في تشويه المسلمين وأنهم ينتهكون حرمة الشهر الحرام والبيت الحرام وبالتالي تعمل على تجميع القبائل من حولها، ولهذا لما شاور النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة في القتال أشاروا عليه بألا يكون البدء منه.

3_ خشي النبي صلى الله عليه وسلم من دخولهم على تلك الصورة مع حمية قريش وخوفهم من أن يقول الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين دخولها عليهم عنوة أن يفضي ذلك إلى سفك الدماء ونهب الأموال، وقتل المستضعفين بمكة إذ كان بمكة مسلمون مستضعفون فهادنهم حتى أظهر من بمكة إسلامهم، ولهذا قال الله تعالى: ﴿هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً [الفتح: 25]، فاقتضت المصلحة إيقاع الصلح على أن يرد إلى الكفار من جاء منهم إلى المؤمنين وذلك أهون من قتل المؤمنين الخاملين(96)

4- أن الرد إنما كان لرجال هم من أهل دار الكفر وقت توقيع المعاهدة ثم هداهم الله بعد ذلك، ولم يكن لرجال من أهل دار الإسلام.

5- أن قريش دعت النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الصلح لأمر فيه تعظيم لحرمات الله، قال ابن القيم: «ومنها أن المشركين وأهل البدع والفجور والبغاة والظلمة إذا طلبوا أمرا يعظمون فيه حرمة من حرمات الله تعالى أجيبوا إليه وأعطوه وأعينوا عليه وإن منعوا غيره فيعاونون على ما فيه تعظيم حرمات الله تعالى لا على كفرهم وبغيهم ويمنعون مما سوى ذلك»(97)، أيضاً الرد كان لمكة المكرمة ولو كان رد المسلم لغير الحرم لما جاز؛ لأن في رد المسلم إلى مكة عمارة للبيت وزيادة خير من صلاته بالمسجد الحرام وطوافه بالبيت فكان هذا من تعظيم حرمات الله تعالى فعلى هذا يكون حكماً مخصوصاً بمكة وبسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير جائز لمن بعده(98)

6 – الرد لا يكون إلا بمطالبة وهذه المطالبة تكون من عشيرة المطلوب بالأصالة أو الحلف؛ لأن الغالب في العشيرة بأنها لا تقتل من رد إليها، ورد أبي جندل كان لأبيه فماذا يصنع الوالد بولده! وإنما كانوا يطلبون منهم التلفظ بكلمة الكفر وكان قد أذن لهم بذلك مع اطمئنان القلب، قال الشافعي: (آبَاؤُهُمْ وَأَهْلُوهُمْ أَشْفَقُ الناس عليهم وَأَحْرَصُ على سَلَامَتِهِمْ وَأَهْلِهِمْ كَانُوا سَيَقُونَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ مِمَّا يُؤْذِيهِمْ فَضْلًا عن أَنْ يَكُونُوا مُتَّهَمِينَ على أَنْ يَنَالُوهُمْ بِتَلَفٍ أو أَمْرٍ لَا يَحْمِلُونَهُ من عَذَابٍ وَإِنَّمَا نَقَمُوا منهم خِلَافَهُمْ دِينَهُمْ وَدِينَ آبَائِهِمْ فَكَانُوا يَتَشَدَّدُونَ عليهم لِيَتْرُكُوا دِينَ الْإِسْلَامِ وقد وَضَعَ اللَّهُ عز وجل عَنْهُمْ الْمَأْثَمَ في الْإِكْرَاهِ فقال: ﴿إلَّا من أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ)(99)، أما من أسر مسلماً من غير قبيلته أو قرابته فقد يقتله بألوان القتل ويبلوه بالجوع والجهد وليس حالهم واحدة(100)، مع ما في تقديم الصلح على رده من تقديم للمصلحة العامة على الخاصة.

7- مصلحة الصلح كانت متحققة وإسلامهم متوقع ولا تترك مصلحة متحققة لشيء يرجى وقوعه(101).

أما قول القائل: أنا مع العدالة الدولية، ولا أحد فوق العدالة الدولية.

الرد: أولاً: قال الله تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة: 50]، فالاستفهام للإنكار والتعجب من حالهم وتوبيخ لهم؛ لأن التولي عن حكم الله وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلب حكم آخر منكر عجيب، وطلب حكم الجاهلية أقبح وأعجب(102)، وحكم الجاهلية هو الميل والمداهنة في الحكم، وأما المخاطب في الآية ففيه وجهان: أحدهما: أنه خطاب لليهود؛ لأنهم كانوا إذا وجب الحكم على ضعفائهم ألزموهم إياه وإذا وجب على أغنيائهم لم يأخذوهم به فقيل لهم أفحكم عبدة الأوثان تبغون وأنتم أهل الكتاب إذ أراد بنو قريظة وبنو النضير الحكم من رسول الله فلما حكم بينهم بحكم الله رفضوا وأرادوا حكم الجاهلية، والوجه الثاني: قيل أريد به كل من خرج عن حكم الله إلى حكم الجاهلية وهو ما تقدم عليه فاعله بجهالة من غير علم، قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً إخبار عن حكمه بالعدل والحق من غير محاباة(103)، والصواب أن الآية تشمل الفريقين؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

قال ابن كثير: «ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات بما يضعونها بآرائهم وأهوائهم وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان الذي وضع لهم الياسق وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه فصارت في بنيه شرعاً متبعاً يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير»(104)

ثانياً: هذه العدالة الدولية عدالة موهومة مكذوبة تقوم على حكم الجاهلية المعاصرة القائم على الميل والمداهنة للأقوياء والتعامل بمنطق القوة لا بقوة المنطق، وبقرار القوة لا بقوة القرار، واستخدام حق الفيتو للأقوياء، ولو كان لها وجود فأين هي من غزو أفغانستان والعراق وقتل أكثر من مليون مسلم بالسلاح المحرم والممنوع دولياً من دون تفريق بين رجل أو امرأة أو طفل أو شيخ كبير، وأين هذه العدالة الدولية من حرب غزة التي لم ترع حقاً أو حرمة لأحد ولم تفرق بين المنازل و المساجد والمدارس ولا حتى المستشفيات والطواقم الطبية وكل ما يدب على وجه الأرض بل حتى المقابر قصفت كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم بأسره فأين العدالة الدولية المزعومة لماذا لم نجدها في أرض أفغانستان أو العراق أو أرض غزة مع ما ارتكب في جميع هذه الدول من مجازر حرب وإبادات جماعية بأساليب مختلفة، وأعجب العجب أن محكمة الجنايات الدولية بعد جريمة غزة تصدر مذكرتها باعتقال البشير إنه حكم الجاهلية المعاصرة العمياء القائم على الميل والمداهنة للقوي وإبراز العدالة على الضعيف، فأين مذكرة اعتقال بوش مجرم حرب أفغانستان و العراق ؟؟؟؟!!!! وأين مذكرة اعتقال مجرمي إسرائيل ؟؟؟!!!! فصدق الله القائل: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ

القول بأن محكمة الجنايات قانونية.

الرد: هذه المحكمة لا تحكم بالشريعة الإسلامية وليس قضاتها بالمسلمين، وبالتالي لا يجوز للمسلمين اللجوء إلى هذه المنظمة وأمثالها من المنظمات والهيئات والمحاكم الدولية؛ لأنها منظمات وهيئات كافرة، والتحاكم إليها تحاكم إلى الطاغوت، وهذا ليس من خصال أهل الإيمان بل من خصال أهل النفاق والزيغ والضلال(105)، كما قال ربنا تبارك وتعالى: ﴿ألَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً * أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً * وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً * فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً [النساء 60- 65]

أيضاً من الناحية القانونية لو كانت هذه المحكمة قانونية فلماذا تنتقدها عدد من الدول كالصين والهند وأمريكا وروسيا، وهذه من الدول التي تمتنع عن التوقيع على ميثاق المحكمة، فهل المتحدث أعلم بقانونية هذه المحكمة من هذه الدول، مع العلم بأن السودان من الدول الرافضة لميثاق هذه المحكمة وعمل هذه المحكمة مختص بالدول الموقعة على ميثاقها دون غيرها.

بدائل التسليم:

أسباب طلب التسليم ثلاثة: إما أن يكون لطلب التحقيق مع المطلوب، أو استعادة حق منه، أو الحكم عليه، فإن كان سبب طلب التسليم التحقيق إذ قد يكون للمطلوب صلة مع مجرمين غير مسلمين في الدولة الطالبة للتسليم فهذا ليس مبررا للتسليم والحل البديل له أن تقوم الدولة الإسلامية التي هذا الشخص من أفرادها بطلب التهم الموجهة للمتهم وإنشاء فريق من المحققين من أبناء هذه الدولة الإسلامية للنظر في الدعوى الموجهة ضد المطلوب، أو دعوة فريق من المحققين للتحقيق مع المطلوب المسلم أو الذمي داخل الدولة الإسلامية وبحضور محققين منها فإذ ثبت تورطه في القضية يتم محاكمته في الدولة الإسلامية وبحكم الإسلام، إذ لا يوجد نص قانوني دولي يجبر دولة من الدول على تسليم رعاياها للتحقيق معهم في دولة أخرى، ولا توجد قاعدة قانونية تنص على ضرورة التحقيق في مكان الحادث، ومثل هذا البديل -أي: دعوة فريق من المحققين للتحقيق مع المطلوب المسلم أو الذمي داخل الدولة الإسلامية- لا يجوز إلا عند الضرورة والحاجة إليه(106).

أما إذ كان طلب التسليم من أجل محاكمة المطلوب فلا يجوز مطلقاً تسليمه والحل البديل له بعد طلب دلائل التجريم وإثبات الإدانة ضد المطلوب أحد الأمور الآتية:

1 – محاكمة المطلوب في محاكم الدولة الإسلامية، وهو ما يسمى في القانون بمبدأ إما التسليم أو المحاكمة، ولكن بشرط أن تكون المحاكمة وفق ضوابط الشريعة الإسلامية.

2- التعويض ولو بدفع المال عند الضرورة والحاجة، إذ قد تقع هذه المسألة أحياناً فربما يرضى الكفار بالمال إما أن يطلبوه أو تعرضه عليهم الدولة الإسلامية بدلاً من تسليم المطلوب، وقد بحث الفقهاء حكم اشتراط أهل الحرب على الدولة الإسلامية دفع المال لهم، فذهبوا إلى عدم جواز ذلك في حال قدرة المسلمين وقوتهم؛ لأن في دفع المال إذلال وإهانة للمسلمين والدولة الإسلامية، وجوزه في حال الضرورة، قال الإمام الشيرازي: « ولا يجوز بمال يؤدى إليهم من غير ضرورة؛ لأن في ذلك إلحاق صغار بالإسلام فلم يجز من غير ضرورة فإن دعت إلى ذلك ضرورة بأن أحاط الكفار بالمسلمين وخافوا الاصطلام(107) أو أسروا رجلاً من المسلمين وخيف تعذيبه جاز بدل المال لاستنقاذه منهم» (108)، وقال الإمام السرخسي: « فإن حاصر العدو المسلمين وطلبوا الموادعة على أن يؤدي إليهم المسلمون شيئا معلوما كل سنة فلا ينبغي للإمام أن يجيبهم إلى ذلك لما فيه من الدينة والذلة بالمسلمين إلا عند الضرورة وهو أن يخاف المسلمون الهلاك على أنفسهم ويرى الإمام أن هذا الصلح خير لهم فحينئذ لا بأس بأن يفعله» (109)، وقال الإمام الشافعي: «ولا خَيْرَ في أَنْ يُعْطِيَهُمْ الْمُسْلِمُونَ شيئا بِحَالٍ على أَنْ يَكُفُّوا عَنْهُمْ؛ لأَنَّ الْقَتْلَ لِلْمُسْلِمِينَ شهادة وأن الإسلام أعز من أن يُعْطِيَ مُشْرِكٌ على أَنْ يَكُفَّ عن أَهْلِهِ؛ لأنَّ أَهْلَهُ قَاتِلِينَ وَمَقْتُولِينَ ظَاهِرُونَ على الْحَقِّ، إلا في حَالٍ وَاحِدَةٍ وَأُخْرَى أَكْثَرُ منها: وَذَلِكَ أَنْ يَلْتَحِمَ قَوْمٌ من الْمُسْلِمِينَ فَيَخَافُونَ أَنْ يصطلموا لِكَثْرَةِ الْعَدُوِّ وَقِلَّتِهِمْ وَخَلَّةٍ فِيهِمْ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطُوا في تِلْكَ الْحَالِ شيئا من أَمْوَالِهِمْ على أَنْ يَتَخَلَّصُوا من الْمُشْرِكِينَ؛ لأنه من مَعَانِي الضَّرُورَاتِ يَجُوزُ فيها ما لا يَجُوزُ في غَيْرِهَا، أو يُؤْسَرُ مُسْلِمٌ فَلَا يُخْلَى إلا بِفِدْيَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يفدى؛ لأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَى رَجُلًا من أَصْحَابِهِ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ بِرَجُلَيْن »(110)، وقال ابن قامة: «وأما إن صالحهم على مال نبذله لهم فقد أطلق أحمد القول بالمنع منه وهو مذهب الشافعي؛ لأن فيه صغارا للمسلمين وهذا محمول على غير حال الضرورة فأما إن دعت إليه ضرورة وهو أن يخاف على المسلمين الهلاك أو الأسر فيجوز؛ لأنه يجوز للأسير فداء نفسه بالمال فكذا ها هنا، ولأن بذله المال أن كان فيه صغار فإنه يجوز تحمله لدفع صغار أعظم منه وهو القتل والأسر وسبي الذرية الذين يفضي سبيهم إلى كفرهم»(111)، واستدلوا أيضاً بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب إذ شاور الصحابة رضي الله عنهم في مصالحة غطفان على شطر ثمار المدينة؛ ليكفوا عن المدينة(112) فلو لم يكن الإعطاء جائزا عند الضرورة ما شاور فيه رسول صلى الله عليه وسلم (113)، وهذا ينطبق على مسألة تسليم المسلم المطلوب لهم(114).

3- في حالة عدم قدرة الدولة الإسلامية توفير الملجأ المطلوب فلها أن تأمر المطلوب بالخروج إلى دولة إسلامية قوية أو دولة لا تربطها علاقات ومصالح هامة مع تلك الدولة الكافرة، ويمكن مساعدته على هذا(115)، قال الإمام السرخسي في المستأمن المطلوب: «إِنْ قَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ: ادْفَعُوهُ إلَيْنَا، وَإِلَّا قَاتَلْنَاكُمْ وَلَيْسَ بِالْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ قُوَّةٌ، فَلَيْسَ يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ؛ لأنه غَدْرٌ مِنَّا بِأَمَانِهِ وَذَلِكَ لا رُخْصَةَ فيه ... وَلَكِنْ أَنْ يَقُولُوا لَهُ : اُخْرُجْ مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَاذْهَبْ حَيْثُ شِئْت مِنْ أَرْضِ اللَّهِ تَعَالَى»(116) فإذا كان هذا في المستأمن المطلوب فالمسلم من باب أولى.

اعتراض: في دفع المال لهم إعانة لهم على المعصية.

نوقش هذا بأن الإعانة على المعصية قد تجوز لا لكونها معصية بل لكونها وسيلة إلى تحصيل المصلحة الراجحة وكذلك إذا حصل بالإعانة مصلحة تربو على مصلحة تفويت المفسدة كما تبذل الأموال في فدى الأسرى الأحرار المسلمين من أيدي الكفرة والفجرة(117)

أما إن كان طلب التسليم من أجل إعادة الحقوق إذ أن من أسباب طلب التسليم أحياناً استعادة الحق، وهذه الحقوق قد تكون مما يمكن استعادته كالأمور العينية، فإن الدولة الإسلامية إن كان بينها وبين الدولة الطالبة معاهدة فهي التي تتكفل برد ذلك ومعاقبة الجاني، وأما الدولة المحاربة فيجوز في حالة الضرورة أن تعرض عليها الدولة الإسلامية ذلك مقابل عدم التسليم(118).

أخيراً: ليعلم أن السبب الرئيسي الذي يحمل اليهود والنصارى وحلفاءهم اليوم على طلب تسليم المتهمين من المسلمين من دولهم هو ضعف وشتات وتمزق الدول الإسلامية وابتعادها عن منهجها القويم في كثير من المجالات عموماً والقضاء خصوصاً مما أوجد الذريعة للأعداء وعملائهم والجهال في الدعوة إلى مثل ذلك، وحل مثل هذا الأمر ما يلي:

1- عودة الأمة الإسلامية إلى دينها عودة صادقة، والعمل على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في كافة مجالات وشؤون الحياة.

2- تطبيق وإقامة الحدود الشرعية كما أمر الله ورسوله - فما انتشرت الجريمة وفشت الرذيلة إلا عند غياب الحدود الشريعة-، والابتعاد عن حكم الجاهلية القائم على الميل والمداهنة للشرفاء فلا تقام الحدود إلا على الضعفاء وأصبحت الشفاعات والوساطات تحول دون تطبيقها.

3- استقلالية القضاء.

4- السعي إلى تحقيق الوحدة بين الدول الإسلامية في شتى المجالات، والعمل على إيجاد سوق إسلامية توحد فيه العملة ويعقبه اتحاد إسلامي يشكل قوة للمسلمين، وليس هذا ببعيد لو بذلت الجهود لتحقيقه وصدقت النيات فقد نجحت أوروبا في تشكيل اتحاد أوروبي مع تعدد العرقيات والديانات والأجناس.

5- تنفيذ فكرة إنشاء محكمة العدل الإسلامية الدولية وتطويرها، وهي فكرة بدأت باقتراح قدمه وفد الكويت في القمة الإسلامية الثالثة بمكة المكرمة عام 1981م، وحدد الاقتراح أهمية إنشاء المحكمة حتى يستكمل بها هياكل منظمة المؤتمر الإسلامي، ولكي تكون فيصلاً وحكماً فيما ينشب من منازعات بين الدول الإسلامية، وللمساعدة في تنقية وتطوير العلاقات فيما بينها في كافة المجالات، وهذا ما تم إقراره خلال القمة الخامسة في الكويت عام 1987م، وأكد النظام في مادته الأولى: أن محكمة العدل الإسلامية الدولية هي الجهاز القضائي الرئيس لمنظمة المؤتمر الإسلامي، تقوم على أساس الشريعة الإسلامية، وتعمل بصفة مستقلة وفقاً لأحكام ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي وأحكام هذا النظام، وهذه المحكمة ستمثل إحدى وسائل الوحدة بين الدول الإسلامية في مجال هام وهو مجال القضاء والتحكيم، ويمكن تطويرها لتشمل مسائل تسليم المطلوبين(119).

6- صدور موقف موحد من الدول الإسلامية تجاه طلبات التسليم المقدمة من الدول الكافرة(120) لكي لا تجرؤ الدول الكافرة على التلفيق والتزوير للتخلص ممن يريدون بتلفيق تهمة له أو الانفراد بدولة ما ومحاصرتها، لا الخنوع والذل والإسراع والهرولة وراء ما يمليه اليهود والنصارى بحجة وأكذوبة الإرهاب.

7- الحذر الشديد والتحفظ من المقررات والتوصيات التي تتبناها الهيئات الدولية والتأكد من عدم معارضتها للشريعة الإسلامية إذ لا يصح الالتزام بها ولا إقرارها، فيجب على الدول الإسلامية أن تبدي رفضها لكل ما يتعارض مع الشريعة الإسلامية، ويعد تحفظها هذا ورفضها من دلالات السيادة للدولة وحريتها، ومن ذلك معاهدات تسليم المطلوبين المسلمين فلا يجوز إقرارها ولا التزام بها من الأساس(121).

وفي الختام نسأل الله أن يوفق جميع المسلمين لما يحب ويرضى وأن يأخذ بنواصيهم للبر والتقوى وأن يفك أسر الأسرى وأن يحفظ كل مسلم من تآمر المتآمرين ومكرهم، وصلى الله وسلم على النبي المصطفى والحبيب المجتبى وعلى أزواجه وآله والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

إعداد/ محمد نعمان محمد علي البعداني

28/ 3/ 2009م

مراجعة الدكتور/ صفوان مرشد

الشيخ/ محمد المحمدي


(1)تفسير الخازن، 1/613.

(2) تسليم المطلوبين بين الدول وأحكامه في الفقه الإسلامي، لزياد المشوخي ص 213.

(3) تفسير الطبري، 6/ص66، وتفسير ابن كثير، 2/7.

(4) تسليم المطلوبين بين الدول، ص 213.

(5) تفسير البغوي، 4/350، وتفسير السمعاني، 5/446، وتفسير أبي السعود، 8/253، وفتح القدير، 1/526، وكشف الأسرار، 4/204، وتسليم المطلوبين بين الدول، ص 213.

(6) تفسير ابن كثير، 1/543، وانظر: شرح منتهى الإرادات، 1/620، والمهذب، 2/226، ونيل الأوطار، 8/178.

(7) الحاوي الكبير، 14/103، ومطالب أولي النهى، 2/511، و فتح الباري، 6/38 ، 39.

(8) المغني لابن قدامة، 9/236.

(9) منار السبيل، 1/271.

(10) تسليم المطلوبين بين الدول, ص 213.

(11) تفسير البيضاوي 2/333.

(12) أخرجه البخاري،2/862 برقم: 2310، ومسلم، 4/1996 برقم: 2580.

(13) عمدة القاري 12/289.

(14) فتح الباري 5/97.

(15) تسليم المطلوبين بين الدول ص 215.

(16) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، 12/322 برقم: 13239 قال الهيثمي: (رواه الطبراني وإسناده جيد) انظر: مجمع الزوائد، 8/338، برقم: (13664).

(17) رواه مسلم، 4/1986، برقم: 2564.

(18) لسان العرب، 11/ 202.

(19) شرح النووي على صحيح مسلم، 16/120.

(20) تسليم المطلوبين بين الدول، ص 215.

(21)رواه أبو داود، 2/72 برقم: 2700، صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/515 برقم: 2349.

(22) رواه الترمذي، 5/634 برقم: 3715، قال الألباني: (ضعيف الإسناد لكن الجملة الأخيرة منه صحيحة متواترة: يريد قوله: (من كذب علي متعمدا فليبوأ مقعده من النار).

(23) قاله التوربشتي انظر: عون المعبود، 7/263.

(24) تسليم المطلوبين بين الدول، ص 215.

(25) رواه البخاري، 3/1108 برقم: 2880، و 4/1465 برقم: 3767.

(26) تسليم المطلوبين بين الدول، ص 217.

(27) فتح الباري، 7/384

(28) رواه الدارقطني، 3/252 برقم: 30، والبخاري معلقاً، 1/454، والبيهقي في السن الكبرى، 6/205 برقم: 11935، قال ابن حجر: ثم وجدته من قول ابن عباس كما كنت أظن ذكره ابن حزم في المحلى...عن عكرمة عن ابن عباس قال: إذا أسلمت اليهودية أو النصرانية تحت اليهودي أو النصراني يفرق بينهما، الإسلام يعلو ولا يعلى وسنده صحيح. انظر: فتح الباري، 3/220و 9/421 = = وقال: هو حديث مرفوع أخرجه الطبرانى في الأوسط والبيهقى في الدلائل من حديث عمر بن الخطاب وأخرجه الدارقطني من حديث عائذ بن عمرو وأخرجه أسلم بن سهل في تاريخ واسط من حديث معاذ بن جبل. انظر: الدراية في تخريج أحاديث الهداية، 2/66، وقال عمر بن علي بن أحمد الوادياشي الأندلسي: ولا يصح رفعه. انظر: تحفة المحتاج، 2/311.

(29) سبل السلام، 4/ 67 و68.

(30) تسليم المطلوبين بين الدول، ص 218.

(31) أخرجه أبو داود، 2/96 برقم: 2769، والحاكم في المستدرك، 4/392 برقم: 8037، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/533 برقم: 2407، وهو في مسند أحمد بن حنبل1/167 برقم: 1433، من حديث الزبير، قال شعيب الأرنؤوط: صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين.

(32) مقاييس اللغة، 4/471.

(33) فيض القدير، 3/186، وعون المعبود، 7/324.

(34) تسليم المطلوبين بين الدول ص، 221.

(35) رواه أبو داود، 2/52 برقم: 2645، والترمذي، 4/155 برقم: 1604، قال أبو داود: رواه هشيم ومعمر وخالد الواسطي وجماعة لم يذك روا جريرا، قال الألباني: (صحيح) دون جملة العقل. انظر: صحيح سنن أبي داود 2/501 برقم: 2304، والحديث: (عن جرير بن عبد الله قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى خثعم فاعتصم ناس منهم بالسجود فأسرع فيهم القتل قال فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمر لهم بنصف العقل وقال أنا بريء ...)

(36) فتوح الشام، 2/ 188.

(37) تسليم المطلوبين بين الدول، ص 218.

(38) الأحكام السلطانية والولايات الدينية، ص 85، وتبيين الحقائق، 4/175، وبداية المجتهد، 2/344، والمغني، 10/ 92، وغاية البيان شرح زبد ابن رسلان، 1/ 323، ونهاية المحتاج، 8/240، وتبصرة الحكام،1/ 21، وأخصر المختصرات،1/261.

(39) تسليم المطلوبين بين الدول، ص219.

(40) نفس المرجع.

(41) الأم للشافعي، 4/192، وتسليم المطلوبين بين الدول، ص220.

(42) الاستذكار، 5/35.

(43) تسليم المطلوبين بين الدول، ص 220.

(44) المصدر نفسه.

(45) تسليم المطلوبين بين الدول، ص 252، 253.

(46)- تسليم المطلوبين بين الدول، ص 254- 257.

(47) نفس المرجع، ص 229.

(48) المصدر نفسه، ص 229 بتصرف.

(49) أخرجه البخاري، 2/952 برقم: 2534.

(50) تسليم المطلوبين بين الدول، ص 229، بتصرف.

(51) لأن الذمي له ما للمسلمين وعليه ما عليهم؛ لأنه رضي أن يحكم عليه بالشريعة الإسلامية، ولأن على الدولة الإسلامية أن تحميه من كل ما تحمي منه المسلم. انظر المصدر نفسه، ص 228و229.

الذميُّ: هو المعاهَد الذي أعطى عهداً يأمن به على ماله و عرضه و دينه، فهو من أُومنَ على شُروط استُوثِقَ منه بها وعلى جزيةٍ يؤدِّيها فإن لم يفِ بها حلَّ سفكُ دمه. انظر: تهذيب اللغة، 1/99، والمعجم الوسيط، 1/315.

(52) المستصفى، 1/179.

(53) ينظر لجميع هذه الردود: تسليم الطلوبين بين الدول، ص 230، 231.

(54) الموافقات، 2/ 6.

(55) الأم للشافعي، 4/191، وشرح الزركشي،3/213، والمغني، 9/242،253، ومجموع الفتاوى،32/177، والمحلى، 7/307.

(56) لأنهما يجامعان النساء في أن لا يمنعا معا ويزيدان على النساء أن لا يعرفا ثوابا في أن ينال منهما المشركون شيئا. انظر: الأم للشافعي، 4/191.

(57) العاتق: أي الشابة وقيل من أشرفت على البلوغ وقيل من لم تتزوج. انظر: عمدة القاري 17/ 227

(58) أخرجه البخاري، 2/967 برقم: 2564.

(59) تفسير السمعاني، 5/417، وشرح معاني الآثار، 3/261.

(60) أضواء البيان، 8/ 99.

(61) أخرجه البخاري، 2/974 برقم: 2581.

(62) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق مقاتل بن حيان: قال الحافظ: (وهذا لو ثبت كان قاطعا للنزاع) انظر: فتح الباري، 9/419.

(63) المغني، 9/ 242.

(64) مجموع الفتاوى، 32/177.

(65) حاشية قليوبي، 4/240.

(66) انظر: تسليم المطلوبين بين الدول، ص 191-194.

(67) شرح فتح القدير، 5/460.

(68) المحلى، 7/307.

(69) المصدر نفسه.

(70) أخرجه البخاري، 2/974 برقم: 2581.

(71) أخرجه البخاري، 2/974 برقم: 2581.

(72) سبق تخريجه ص 6 ، وهو حديث صحيح.

(73) تسليم المطلوبين بين الدول، ص 198.

(74) انظر: فتح الباري، 6/ 39، وتحفة الأحوذي، 5/ 178.

(75) أخرجه البخاري، 2/903 برقم: 2422، ومسلم، 2/1141 برقم: 1504.

(76)- المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (6 / 128)

(77) فتح الباري، 5/ 188، وانظر التمهيد لابن عبد البر، 7/117.

(78) فتح الباري، 5/188، وعمدة القاري، 13/120، وتحفة الأحوذي، 6/ 265 و266.

(79) أحكام القرآن لابن العربي، 4/231، وانظر: مواهب الجليل، 3/ 386.

(80) شرح فتح القدير ، 5/460.

(81) الحاوي الكبير، 14/360.

(82) شرح مختصر خليل، 3/110.

(83) تسليم المطلوبين بين الدول، ص 199.

(84) العدالة الدولية في الإسلام أسسها وقواعدها، رسالة ماجستير للشيخ محمد المهدلي, ص 186و 187.

(85) أسنى المطالب في شرح روض الطالب، 4/228.

(86) الحاوي الكبير، 14/365.

(87) أخرجه البخاري، 2/974 برقم: 2581.

(88) دلائل النبوة، 4/108، والسيرة النبوية، 4/293.

(89) الأم، 4/ 191.

(90) فتح الباري، 5/350.

(91) هكذا في الأصل ولعل الصواب إشفاق.

(92) الحاوي الكبير، 14/365.

(93) الأم، 4/191.

(94) ينظر هذا الاعتراض والرد عليه تسليم المطلوبين بين الدول, ص 206- 209.

(95) المصدر السابق، ص 20، 25، 209.

(96) قواعد الأحكام في مصالح الأنام، 1/ 81.

(97) زاد المعاد، 3/ 303.

(98) عمدة القاري، 14/ 13.

(99) الأم، 4/193.

(100) معرفة السنن والآثار، 7/ 154.

(101) ينظر لهذه الأمور: تسليم المطلوبين بين الدول، ص 200- 205.

(102) روح المعاني، 6/155.

(103) أحكام القرآن للجصاص، 4/ 99، وتفسير البيضاوي، 2/ 333، وانظر: تفسير القرطبي، 6/214.

(104) تفسير ابن كثير، 2/ 68.

(105) العدالة الدولية في الإسلام أسسها وقواعدها ص 237.

(106) تسليم المطلوبين بين الدول، ص 269.

(107) الاصطلام: الاستئصال و اصطلم القوم أبيدوا و الاصطلام إذا أبيد قوم من أصلهم، انظر: لسان العرب، 12/340.

(108) المهذب 2/260، وانظر: الإنصاف للمرداوي 4/211، ومنح الجليل، 3/229.

(109) المبسوط، 10/87.

(110) الأم، 4/188و189.

(111) المغني، 9/239.

(112) أخرجه الطبراني المعجم الكبير، 6/28 برقم: (5409)، وابن أبي شيبة، 7/378 برقم: 36816، وعبد الرزاق، 5/367 برقم: 9737، قال الهيثمي: (ورجال البزار والطبراني فيهما محمد بن عمرو وحديثه حسن وبقية رجاله ثقات) انظر: مجمع الزوائد، 6/191.

(113) المغني، 9/239، ومنح الجليل، 3/229.

(114) تسليم المطلوبين بين الدول، ص 240، 269.

(115) نفس المرجع، ص 270.

(116) شرح السير الكبير ، (4/ 335).

(117) قواعد الأحكام في مصالح الأنام، 1/75.

(118) تسليم المطلوبين بين الدول، ص 369.

(119) تسليم المطلوبين بين الدول، ص 371و272.

(120) نفس المرجع، ص 272.

(121) تسليم المطلوبين بين الدول ص 272و273 بتصرف.

No comments:

Post a Comment

Navigation